سلوک القيادة الأصيلة لدى قادة مدارس التعليم العام بمحافظة ينبع وعلاقته بالصحة التنظيمية من وجهة نظر المعلمين

نوع المستند : مقالات أدبیة وتربویة

المؤلف

--

المستخلص

تواجه المنظمات في القرن الواحد والعشرين تحديات غير مسبوقة ، إذ أن حجم التغيرات التي أحدثتها ثورة تقنية المعلومات والاتصالات ، والانفجار المعرفي ، قد خلق فجوة بين الممارسات التقليدية لتلک المنظمات وبين متطلبات بيئتها الخارجية، فأصبحت المنظمات تهتم بالتجديد والتغيير سعيًا لتحقيق التکيف ومواکبة  التغيرات ، وذلک استشعارًا لخطورة انغلاق المنظمة على نفسها وإهمال التغيرات المتسارعة حولها ، والذي قد يؤدي في نهاية الأمر لتآکل المنظمة ويهدد بقاءها .
    وعلى صعيد المنظمات التعليمية فإن التفاوت في سرعة التجاوب والتأقلم مع معطيات البيئة غير المستقرة ، قد أحدث نوع من التباين والتمايز بين المنظمات التعليمية من حيث الکفاءة والفاعلية ، مما دفع کثيرًا  منها إلى مراجعة عملياتها وتحديث سياساتها التعليمية بما يحقق لها القدرة على المنافسة و الوفاء بمتطلبات مجتمعها وتطلعاته.
    وبالنظر إلى المدرسة بوصفها منظمة تعليمية تعنى بترجمة الأهداف العامة للتعليم إلى ممارسات وعمليات تفاعلية تتم بين أفراد المجتمع المدرسي ، في بيئة تعليمية ملائمة ، بات لزامًا عليها أن تضطلع بمسؤوليتها في التصدي لما يواجهها من تحديات ، وأن ترکز جهودها نحو تجويد مخرجاتها .
وتحتل القيادة أهمية خاصة في کافة المنظمات ، وتتأکد أهميتها في المنظمات التعليمية من خلال ما تحظى به القيادة التربوية من دعم وتمکين ، فقد شهدت السنوات الأخيرة محاولات جادة لتحسين الأداء والممارسات القيادية داخل المدارس ، وقد أثمرت هذه الجهود عن استحداث جوائز للتميز المدرسي ، وتغيير مسمى مدير المدرسة إلى قائد واعتماد مؤشرات الأداء المدرسي ، ومنح قادة المدارس المزيد من الصلاحيات  .
    ويجدر الإشارة إلى الاهتمام المتزايد الذي تحظى به القيادة التربوية والذي يعکس بوضوح  تأثير القيادة التربوية على المنظمات التعليمية ، حيث يتوقف نجاح المدرسة في تحقيق الغايات المطلوبة منها ، على ممارسات القادة التربويين و مدى قدرتهم على التأثير في أتباعهم وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف المنشودة .ويرى الشهري (2017،ص2) أن قائد المدرسة هو المسؤول الأول عن تنفيذ الأعمال کونه يمثل رأس الهرم في السلم التعليمي المدرسي ، وسلوک القائد هو المعيار الأساسي والذي يقاس من خلاله أداء المعلمين، فنجاح المؤسسة التعليمية مبني على قدرة قائد المدرسة على القيام بمسؤولياته من اصدار قرارات وتطوير اداء المعلمين وتنمية العلاقات معهم  وتعزيز مشارکتهم في اتخاذ القرار وانتمائهم الى المدرسة وغيرها من العمليات .
    وقد ظهرت مؤخرًا  مصطلحات وأنماط متعددة للقيادة الإيجابية  کالقيادة التحويلية و الأخلاقية والخادمة والموزعة وغيرها . ويرى أفوليو و جاردنر(2005,p316)  Avolio and Gardner بأن جهود الباحثين في إيجاد نمط شمولي للقيادة الإيجابية  قد أسفر عن نشأة مفهوم جديد للقيادة هو القيادة الأصيلة ، والذي يمثل النموذج الجذري لنماذج القيادة الإيجابية کالقيادة التحويلية والکريزماتية والأخلاقية والخدمية .
ويصف نجم وعشري والنجار(2015،ص291) القيادة الأصيلة بأنها ” نمط قيادي يتصرف وفقًا للقيم والمبادئ التي يؤمن بها ، لخلق مناخ إيجابي بالمنظمة وکسب ثقة مرؤوسيه في اطار من الشفافية والوعي الذاتي والحکم المتوازن والمنظور الأخلاقي“.
    وتعد القيادة الأصيلة النمط المثالي للقيادة  الذي تحتاجه مدارس اليوم على وجه الخصوص، وذلک لما يحمله مضمون القيادة الأصيلة من قيم ومبادئ مبنية على النزاهة والشفافية والصدق والموضوعية وتحمل المسؤولية  اضافة إلى قدرتها على التأثير الإيجابي في سلوکات المعلمين وإخراج طاقاتهم الکامنة وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المنشودة (کيتس دي فرايز، 2006,p.376 Kets de Vries,).
    وتتجلى قيمة القيادة الأصيلة في العلاقة القوية التي يبنيها القائد مع مرؤوسيه ، والتي تسهم في خلق ثقافة تنظيمية قوية ومناخ إيجابي ينعکس على العديد من السلوکات داخل المنظمة. فقد أثبتت الدراسات السابقة کدراسة إسماعيل(2015) ودراسة الحجار(2017 ) الأثر الإيجابي للقيادة الأصيلة على العديد من المتغيرات السلوکية ومنها المناخ التنظيمي. ويؤکد کيتس دي فرايز (2006,pp.376-377) Kets de Vries أن القيادة الأصيلة قادرة على تحقيق الفاعلية التنظيمية ، واشباع احتياجات العاملين بالمنظمة وتوفير کل السبل التي تجعل المنظمة مکانًا رائعًا للعمل .
    ويعد توفير المناخ الإيجابي وتسخير البيئة الجاذبة التي تساعد على العمل في جو صحي مبني على التعاون والانسجام والثقة المتبادلة بين جميع أفراد المنظمة يعزز من قدرة المنظمة على النمو والتطور ويعطيها القدرة على التکيف مع المتغيرات ومواجهة المشکلات. کما يشير الشريفي(2013،ص146) إلى أن الجو السائد في المنظمة يتأثر بطبيعة بيئة العمل ،ونوعية العلاقات بين العاملين وتنشأ عنه حالة من الفاعلية والنشاط والنمو والتطور يطلق عليها الصحة التنظيمية. و يرى القصير(2006،ص4) بأن التفاعل والانسجام الذي يحدث بين المناخ التنظيمي ، والثقافة التنظيمية ، والاتصال التنظيمي ، والبيئة الخارجية للمدرسة ، يجعل المدرسة في حالة صحية تمکنها من تحقيق أهدافها ، وهذه الحالة التنظيمية تعني بأن المدرسة تتمتع بمستوى عالٍ من الصحة التنظيمية.
    ويعرف مايلز(Miles(1969,pp17-22 الصحة التنظيمية على أنها مقدرة المنظمة على العمل بکفاءة وفاعلية، والتکيف مع المتغيرات، والقدرة على النمو والتطور بصورة متوازنة ، من خلال أنظمة وظيفية متکاملة وفعالة ، تمکنها من تحقيق أهدافها المنشودة. ويصف الوذيناني( 2017،ص520) الصحة التنظيمية بأنها امتلاک المؤسسة التعليمية للمقومات التي تعينها على مواجهة التحديات وبذل الجهود الممکنة  لتوفير بيئة عمل جاذبة وتحقيق التجانس بين أفراد المجتمع المدرسي .
وتتأثر الصحة التنظيمية بسلوک القيادة وطبيعة العلاقة التي يبنيها قائد المدرسة مع المعلمين. حيث يرى السوالمة (2011،ص5) بأن القيادة التي تمتلک خصائص المبادرة ، وتبني ثقافتها على التلاحم والتشارک بين القائد والمعلمين قادرة على الاسهام في تعزيز الصحة التنظيمية لدى المؤسسة التعليمية.
وتستمد الصحة التنظيمية أهميتها لدى الأوساط التعليمية من خلال ما تقدمه من تشخيص لواقع المدرسة سعيًا للتحسين والتطوير المستمر. وترى الحوراني (2017،ص19) أن الصحة التنظيمية تساعد العاملين داخل المدرسة على ادراک العوامل المؤثرة في البيئة المدرسية . ويفترض الوذيناني(2017،ص519) أن المدارس التي تتوافر لديها معايير الصحة التنظيمية تؤثر ايجابًا على سلوک المعلم ، وهذا ينعکس على أدائه ونتائج طلابه.
    وتأسيسًا على ما سبق يمکن القول بأن مدارس التعليم العام بحاجة ماسة إلى نمط قيادي يتسم بالشفافية ، والصدق ، والنزاهة ، ولديه القدرة على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات، کما أن مدارس التعليم العام بحاجة ماسة إلى توافر معايير الصحة التنظيمية لکي تکون قادرةً على أداء رسالتها وتحقيق رؤيتها في بيئة صحية يسودها مناخ إيجابي يساعد على الابداع والتميز ، وعليه تسعى الدراسة الحالية للوقوف على طبيعة العلاقة بين ممارسة القيادة الأصيلة والصحة التنظيمية في مدارس التعليم العام

الكلمات الرئيسية