التربية الإنسانية في الفكر التربوي الإسلامي ‏(دراسة تحليلية)‏

إن العقل البشرى هو بنية تتكون عناصرها وتكتسب وظائفها بالتربية من خلال الحوار بين الإنسان وما يحيط به من بيئة بشرية ومادية. ونفهم على أساس من ذلك كيف تمثل غاية تشكيل العقل مسئولية تقع على عاتق التربية. فالتربية إما أن تنجح في إكساب الإنسان عقلًا يحرره من الجهل وإما أن تفشل فى ذلك فتكسبه عقلًا قاصرًا يكون هو سبب عبوديته ومأساته. فالعقل الذي هو أداة الإنسان الحر لتأكيد سيطرته على حياته وحركاته وفعله، هو عقل نصوغه على أساس من المعرفة بتطور العقل البشرى، معرفه تترجم عن كفاح الإنسان على مدى قرون عديدة ليغالب الجهل ويحطم الأسر ويفلت من الجاذبية ويطوى المسافات، ليصل بالعقل من شكله البدائي البسيط إلى شكله الحالي: عقل معقد مبدع. هذا العقل المبدع هو أداة الإنسان الحر لتأكيد سيطرته ودعم إرادة الاختيار لديه، يكتسبه بالتربية الحرة أي تلك التي تسمح له في كل لحظة أن يمارس فعله على أساس من السمات التي تجتهد التربية في تكوينها ودعم فاعليتها (عبد الفتاح تركي، ٢٠٠٣، ص ص ٢٠٤-٢٠٨).
وتتميز التربية الإسلامية بمزايا وخصائص منها خاصية الإنسانية، هذه الخاصية التي جعلت الإنسان الغاية والهدف، فهي تسعى إلى بناء الإنسان بناء شمولياً متكاملاً متوازناً ، لأن نظرة التربية الإسلامية هي نظرة الإسلام إنسان عابد لربه لأنه بعبوديته لربه يحقق كرامته وإنسانيته، إنسان صالح مصلح إيجابي صاحب رسالة لا يعيش لنفسه بل يعيش للإنسانية، ويحب للناس ما يحب لنفسه، يسعى الى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة، إنسان ينظر إلى أخيه الإنسان على أنه مخلوق مكرم، إنسان هذه خصائصه يكون لبنة صالحة لبناء المجتمع الإنساني. (أحمد فتحي محمد قاسم، 2012، ص 10).
الإنسانية خاصية يصعب تجسيدها بالكلمات، لأنها تتصل إتصالاً مباشراً بالسلوك الإنساني، الصادر عن الفطرة الإنسانية الخيرة الصافية، والتي هي من إشراقات فطرة التدين والميثاق الذي أخذه الله على البشر جميعاً، قال : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (سورة الإعراف، آية ۱۷۲  ).
مشكلة الدراسة:
إن التربية بصفة عامة والتربية الإنسانية بصفة خاصة هي السبب الرئيس في تكامل الانسان ورقيه الاجتماعي، وحل معضلاته وأزماته العالقة وتحقيق سعادته وأهدافه، لذا يجب أن تكون التربية على أساس متين من التخطيط الصحيح، والدراسة المنظمة، والخطط المعلومة النابعة من ثوابت الشريعة المقدسة، ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وقيمة الرفيعة ومقتضيات ورغبات المجتمع ، وعاداته الحسنة وتقاليده المرموقة وألا تكون الخطط التربوية مستوردة من الخارج، أو قائمة على أساس غريب مغاير لما نحن فيه من واقع، وثقافة، ومعتقد.