علاقة الملك عبدالعزيز مع الكويت في عهد الشيخ سالم الصباح والموقف البريطاني منها (1335-1339هـ/1917-1921م)

نوع المستند : مقالات أدبیة وتربویة

المؤلف

المستخلص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وبعد:
عقَد الملك عبدالعزيز آل سعود أثناء توحيده للمملكة العربية السعودية العديد من العلاقات مع العديد من القوى المختلفة، فمنذ أن بدأ مسيرته تلك كانت علاقاته مقتصرة على الدول المحيطة به، ثم توسعت علاقاته تبعًا لتوسع نفوذه لتشمل قوى أخرى، وكانت دولة الكويت من أبرز تلك القوى التي كان للملك عبدالعزيز علاقاتٍ معها في مرحلة توحيد المملكة، فهي المكان الذي أقام به بعد سقوط الدولة السعودية الثانية، والمكان الذي انطلق منه ليبدأ أول خطوة في مسيرته العظيمة.
وكانت علاقة الملك عبدالعزيز بحاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح آنذاك علاقة وطيدة، حيث كان يعتبره بمثابة أحد أبناءه، ويستشيره في الأمور السياسية. ولمّا أراد الملك عبدالعزيز أن يسترد ملك أسرته قام الشيخ مبارك بالوقوف إلى جانبه وتأييده ودعمه، لكن هذا الحال تغير وفقًا لتغير المصالح والظروف، فقد كان نجاح الملك عبدالعزيز في ضم المناطق تحت سيادته أحد الأسباب التي غيرت موقف الشيخ مبارك من الملك عبدالعزيز، فتوترت العلاقات على إثرها. ولمّا توفي الشيخ مبارك -رحمه الله- خلفه في الحكم ابنه الشيخ جابر فكانت العلاقات حسنة بين البلدين، وما لبث أن توفي الشيخ جابر –رحمه الله- ليتولى زمام الحكم من بعده أخوه سالم. ويغطي البحث الفترة الزمانية: منذ بداية تولي الشيخ سالم للكويت عام (1335هـ/1917م) وحتى وفاته –رحمه الله- عام (1339هـ/1920م).
وقُسم البحث إلى عدة نقاط تفرعت من العنوان الرئيس للبحث (علاقة الملك عبدالعزيز مع الكويت في عهد الشيخ سالم) وهي: أولًا: تمهيد: نبذة عن علاقات الملك عبدالعزيز بالشيخ جابر بن مبارك. ثانيًا: تولي الشيخ سالم الحكم في الكويت، وأسباب تأزم العلاقة مع الملك عبدالعزيز. ثالثًا: معركة حمض1339هـ. رابعًا: معركة الجهراء1340ه. خامسًا: حصار القصر الأحمر. سادسًا: الموقف البريطاني. سابعًا: وساطة الشيخ خزعل ونهاية الخلاف. بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الدكتور مخلد بن قبل الحريّص على ما تقدم به من التوجيهات خلال فترة البحث، إذ كان له الفضل بعد الله في توجيه الباحثة وإرشادها، ولم يكن ليبخل بما في شأنه أن يقدم الفائدة للبحث والباحثة، وقد بذل جهدًا واضحًا في ذلك. فأسأل الله أن يجزل له المثوبة، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يجزيه عنّا خير الجزاء.
أولًا: تمهيد: نبذة عن علاقات الملك عبدالعزيز بالكويت في عهد الشيخ جابر الصباح([i]):
كانت علاقة الملك عبدالعزيز مع الشيخ جابر –رحمهما الله- تتسم بالودّ، حيث كانت تربطهما الصداقة أثناء إقامة عبدالعزيز مع والده في الكويت عقب سقوط الدولة السعودية الثانية، كما اشتركا جنبًا إلى جنب في حملة وجهت على مطير([ii])، وفي وقعةٍ تسمى هديّة([iii])، وعندما توفي الشيخ مبارك الصباح([iv]) –رحمه الله- في (21 محرم 1334هـ/28 نوفمبر 1915م)([v]) كتب الملك عبدالعزيز إلى الشيخ جابر يعزيه بوفاة والده، ثم زاره وهو في طريقه إلى البصرة ليطمئن عليه([vi])، وعلى إثرها تطورت العلاقات بين البلدين.
وكان من آثار هذا التطور أن وافق الملك عبدالعزيز على توقيع معاهدة دارين([vii]) مع الحكومة البريطانية في (18 صفر 1334هـ/28 ديسمبر 1915م)، والتي نصت المادة السادسة منها على: "أن يتعهد ابن سعود كما تعهد أجداده من قبل أن يتحاشى الاعتداء على الكويت والبحرين ومشايخ قطر وساحل عمان المشمولة بحماية الحكومة البريطانية ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة وألا يتدخل في شؤونها وتحدد حدود هذه الأقطار فيما بعد"([viii]).
ويعلق المؤرخ خزعل([ix]) في كتابه مبرهنًا على صفاء العلاقة بين الملك عبدالعزيز والشيخ جابر بقوله: "لو كانت العلاقات بين نجد والكويت على ما كانت عليه في أواخر عصر الشيخ مبارك لما تيسر عقد تلك الاتفاقية بهذه السهولة"([x]). حيث كانت العلاقات في أواخر عهد الشيخ مبارك يشوبها القليل من التوتر، وذلك بعد تنبه الملك عبدالعزيز لسياسة الشيخ مبارك المتقلبة، وتحالفه مع خصمه ابن رشيد وإعانته عليه.
وحدث في ذات العام -السالف ذكره- أن قامت قبيلة العجمان([xi]) بخيانة الملك عبدالعزيز في الأحساء أثناء معركة جراب([xii])، حيث قاموا بنهب جيشه، والفرار بالغنيمة، عقب ذلك حاربهم الملك عبدالعزيز واستطاع الانتصار عليهم، ففر عدد كبير منهم إلى الكويت، فآواهم الشيخ جابر وأتاح لهم السكن فيها، ولمّا علم الملك بذلك أرسل رسوله إلى الشيخ جابر يطلب منه إخراجهم منها([xiii])، وكان جابر قد وافق على إخراجهم، بخلاف أخيه سالم([xiv]) الذي أشار عليه برفض طلب ابن سعود، والسماح لهم بالبقاء على الرغم من علمه بثورتهم ضد الملك عبدالعزيز([xv]).
 
([i]) جابر بن مبارك الصباح: أو الشيخ جابر الثاني. الحاكم الثامن للكويت من آل صباح، تولى الحكم بعد وفاة والده الشيخ مبارك في (21 محرم 1334هـ/29 نوفمبر 1915م)، إلا أنه لم يدم في الحكم طويلًا، حيث توفي في (13 ربيع الثاني 1335هـ/7 فبراير 1917م). كان في عهد أبيه قائدًا لجيشه، وكثيرًا ما خاض الحروب بنفسه. كان حليمًا عادلًا، ورجلًا هادئًا، محبوبًا بين شعبه، اتصفت سياسته بشيءٍ من التردد. حسين خلف الشيخ، تاريخ الكويت السياسي، (د.م)، (د.ن)، (د.ت)،ج3، ص7؛ الزركلي، خير الدين، الأعلام، ط15، (بيروت: دار العلم للملايين)، (2002م)، ج2، ص105؛ السعدون، خالد محمود، العلاقات بين نجد والكويت، (الرياض: دارة الملك عبدالعزيز)، 1403هـ، ص183.
([ii]) هذه الحملة تدعى وقعة (جو لبن)، وقد حدثت في عام (1321هـ/1903م). وتختلف المصادر السعودية عن الكويتية في أسباب هذه الوقعة، وكيفية حدوثها، وعدد الجند، وغيرها، لكنها اتفقت على أن الملك عبدالعزيز والشيخ جابر أغارا على قبيلة مطير. فتذكر الرواية الكويتية أن السبب في ذلك هو أن الشيخ مبارك شعر بميل سلطان الدويش -زعيم قبيلة مطير- إلى ابن رشيد فرأى أن يغير عليه ويقضي عليه نكالًا له وردعًا لأمثاله، فجهز جيشًا بقيادة الشيخ جابر وبمعيته الملك عبدالعزيز وكان قد قدم من الرياض لبعض شؤونه، فسار الجيش بخيل يزيد عن الألفين فصبح الدويش في (جو لبن) وهزمه ومن معه، وغنموا أموالًا كثيرة. أما الروايات السعودية -ويكتفى بذكر واحدة- فهي تذكر أن كتابًا وصل إلى الملك عبدالعزيز من الشيخ مبارك يستنجد به من حصار ابن رشيد للكويت، فهبَّ الملك عبدالعزيز لنجدته، ولما وصل إلى الكويت انضم إلى الجيش الذي كان يقوده الشيخ جابر، وعندما كان الجيش قاصدًا وجهته إذا بجيش ابن رشيد قد أشاع خبر عودة ابن رشيد إلى حائل، فنزل الجيش السعودي- الكويتي على الدويش ليلًا في منطقة (جو لبن) فقضوا على من فيها من قبائل مطير التي كانت تساند ابن رشيد ضد الملك عبدالعزيز. والراجح القول بأن الشيخ مبارك هو من طلب نجدة الملك عبدالعزيز، وقد دفعه تضييق ابن رشيد على الكويت لذلك، ولم تكن للملك عبدالعزيز شؤون يقضيها في الكويت، ثم رأى الخروج لتأديب سلطان الدويش، وقد أجمعت المصادر السعودية أنه خرج من الرياض لنجدة الشيخ مبارك. الرشيد، عبدالعزيز، تاريخ الكويت، (بيروت: دار مكتبة الحياة)، (1978م)، ج1، ص ص181-182؛ الزركلي، خير الدين، شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز، (بيروت: دار القلم)، (د.ت)، ج1، ص ص139-140.
([iii]) وقعة هدية: حدثت هذه الوقعة عام (1328هـ/1910م) بعد تأزم العلاقة بين الشيخ مبارك وسعدون باشا (شيخ قبائل المنتفق) بسبب غارات سعدون وأتباعه على أتباع الشيخ مبارك، وكان الخلاف بينهما قد جر الملك عبدالعزيز لنجدة مبارك ضد خصمه بعد إلحاح الشيخ مبارك عليه، فوصل إلى الكويت بقوة صغيرة وقابل الشيخ مبارك فيها، وأشار الملك عبدالعزيز عليه بعدم الاستعجال في خوض الحرب لكنه رفض، ثم تحركت القوات الكويتية بقيادة الشيخ جابر، بمعيتها الملك عبدالعزيز وقوته، وبالمقابل كان سعدونًا قد استعد هو الآخر وجمع قواته للقتال، فبادرته قوات الشيخ جابر والملك عبدالعزيز بالهجوم في (جريبيعات الطوال) الواقعة غرب الزبير بمسافة ثلاثة أميال، وقد بدأت الغلبة لقوة الملك عبدالعزيز والشيخ جابر، لكنها انقلبت عليهم فانسحبوا تاركين امتعتهم خلفهم، فقال الكويتيون: (تركنا أموالنا لابن سعدون هدية) فسميت هذه الحرب "هدية"، كما تسمى "حرب الطوال" نسبةً إلى المكان الذي وقعت فيه. الحريص، مخلد بن قبل، حرب الطوال "هدية" (1328هـ/1910م) والموقف العثماني والبريطاني منها، مجلة العلوم العربية والإنسانية، جامعة القصيم، مج13، ع3، (رجب1441هـ/فبراير2020م)، ص ص1310-1330.
([iv]) مبارك بن صباح بن جابر بن عبدالله بن صباح: سابع أمراء الكويت من آل صباح. ولد (1254هـ/1838م). وتولى إمارة الكويت بعد مقتله لأخويه محمد وجراح (1313هـ/1896م)، واستمر في الحكم حتى توفي. كان الشيخ مبارك ذكيًا، طموحًا، صعب الإرادة، اشتهر بالتقلب وعدم الثبات على سياسة واحدة. الزركلي، الأعلام، ج5، ص270. 
([v]) خزعل، تاريخ الكويت السياسي، ج2، ص299.
([vi]) الزركلي، شبه الجزيرة، ج1، ص237.
([vii]) معاهدة دارين: وتسمى أيضًا بمعاهدة القطيف نسبة إل لمكان الذي عقدت فيه وهو جزيرة دارين المواجهة للقطيف. ومن أهم بنود هذه المعاهدة: اعتراف بريطانيا بالملك عبدالعزيز حاكمًا مستقلًا لنجد والأحساء والقطيف والجبيل وملحقاتها، ومساعدتها له ضد أي دولة تعتدي على أراضيه، والتعهد بالامتناع عن اتفاقه مع أي دولة أجنبية. الزركلي، شبه الجزيرة، ج1، ص285؛ نص المعاهدة: الأرشيف الرقمي للخليج العربي، ملف رقم 1/FO 93/137، ص ص3-4.
([viii]) الأرشيف الرقمي للخليج العربي، ملف رقم 1/FO 93/137، ص ص3-4.
([ix]) والمقصود به هنا هو المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل صاحب مؤلَّف تاريخ الكويت السياسي، وهو حفيد الشيخ خزعل حاكم المحمرة. الباحثة.
([x]) خزعل، تاريخ الكويت السياسي، ج3، ص ص27-28.
([xi]) قبيلة العجمان: من قبائل اليمن من عرب قحطان، وينتسبون إلى همدان، وهي قبيلة صعبة المراس تسكن في منطقة الأحساء، تسببت في الكثير من المتاعب للملك عبدالعزيز، وأصبحت سببًا للخلاف بين الملك وحكام الكويت، وكان الشيخ مبارك قد عقد قبل وفاته اتفاقًا معهم يتعهدون به الخضوع لابن سعود، لكن الأخير رفض الاتفاق؛ لخيانتهم ومحاربتهم له في معركة جراب. السعدون، العلاقات بين نجد والكويت، ص185؛ الريحاني، أمين، تاريخ نجد الحديث، (بيروت: دار الجيل)، ص223. 
([xii]) جراب: تقع شمال شرق عن الزلفي، وهي هجرة لعشيرة المريخي من مطير في الزلفي. الجاسر، معجم مختصر، ج1، ص359. وفيها وقعت معركة جراب وهي إحدى المعارك المشهورة لتوحيد البلاد، والتي كان طرفاها الملك عبدالعزيز وسعود بن رشيد أمير حائل في عام (1333هـ/1915م) وفي أثناء هذه المعركة أغارت فئات من شمر على إبل الملك عبدالعزيز، وأخذت منها ما استطاعت ثم جاءت خيانة العجمان وأخذوا من تلك الإبل أيضًا وساروا بها. العثيمين، عبدالله الصالح، معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد، ط1، (الرياض: العبيكان)، (1415هـ/1995م)، ص ص151-156. 
([xiii]) الذكير، مقبل، مطالع السعود في تاريخ آل سعود، جمع وترتيب عبدالله البسام، الخزانة النجدية، ط1، (د.ت)، ج7، ص ص507-508؛ خزعل، تاريخ الكويت السياسي، ج3، ص ص27-28؛ البسام، يوسف حمد، الزبير قبل خمسين عامًا، (الكويت: المطبعة العصرية)،(1991هـ/1971م)، ص274.
([xiv]) سالم بن مبارك آل صباح: الحاكم التاسع للكويت من آل صباح، ولد عام 1295هـ، وكان شجاعًا قويًا عفيفًا تقيًا، وله إلمام يسير بالفقه والنحو وكان حريصًا على تطهير البلاد من الفسق والفجور. خزعل، تاريخ الكويت السياسي، ج4، ص7؛ الشملان، من تاريخ الكويت، ص183.
([xv]) خزعل، تاريخ الكويت السياسي، ج3، ص ص27-28؛ البسام، الزبير قبل خمسين عامًا، ص274.

الكلمات الرئيسية